فصل: وفي سنة عشر من الهجرة أيضًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


الجزء الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

 وفي سنة عشر من الهجرة أيضًا

قدم العاقب والسيد من نجران وكتب لهم رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم كتاب صلح‏.‏

وفيها قدم وفد خولان وهم عشرة‏.‏

وفيها قدم وفد الرهاويين ووفد تغلب قال ابن حبيب الهاشمي‏:‏ وكان رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك‏.‏

 وفيها قدم وفد بني عامر بن صعصعة

روي عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال‏:‏ قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر فيهم‏:‏ عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وحيان بن سليم وهؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وقد كان قال لعامر قومه‏:‏ أسلم فإن الناس قد أسلموا قال‏:‏ والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي أفأنا أتبع عقب هذا الفتى ثم قال لأربد‏:‏ إذا قدمنا على الرجل فأنا أشغل وجهه عنك فأعله بالسيف‏.‏

فلما قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جعل عامر يكلم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وينتظر من أربد ما أمره به فلم يحر شيئًا فقال له‏:‏ واللّه لأملأنها عليك خيلًا جردًا ورجلًا مردًا فلما ولى قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اللهم اكفني عامر بن الطفيل ‏"‏ فقال عامر لأربد‏:‏ ويلك أين ما أوصيتك به قال‏:‏ واللّه ما هممت بالذي أمرتني إلا دخلت بيني وبين الرجل ‏"‏ حتى ما أرى غيرك ‏"‏ أفأضربك بالسيف‏.‏

وخرجوا راجعين إلى بلادهم فبعث اللّه الطاعون على عامر في بعض طريقهم فقتله اللّه في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول‏:‏ أغدة كغدة البعير وأرسل على أربد صاعقة فأحرقته وكان أربد أخا لبيد بن ربيعة من أمه‏.‏

وروى الزبير بن بكار بإسناده أن عامر بن الطفيل أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فوسده وسادة وقال له‏:‏ ‏"‏ أسلم يا عامر ‏"‏ قال‏:‏ على أن لي الوبر ولك المدر فأبى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقام عامر مغضبًا وقال‏:‏ واللّه لأملأنها عليك خيلًا جردًا ورجالًا مردًا ولأربطن بكل نخلة فرسًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لو أسلم وأسلمت بنو عامر لراحمت قريشًا في منابرها ‏"‏‏.‏

ثم عاد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏"‏ لا يا قوم آمنوا ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ اللهم اهد بني عامر‏.‏

واشغل عني عامر بن الطفيل كيف وأنّى شئت ‏"‏ فخرج فأخذته غدة مثل غدة البعير في بيت سلولية فقال‏:‏ يا موت ابرز لي وأقبل يشتد وينزو إلى السماء ويقول‏:‏ غده كغدة البعير وموت في بيت سلولية‏.‏

قال الحسن بن علي الحوماري‏:‏ كان الطفيل بن مالك بن جعفر يكنى أبا علي وكان من أشهر فرسان العرب بأسًا ونجمة وأبعدها اسمًا حتى بلغ به ذلك أن قيصر كان قدم عليه قادم من العرب قال له‏:‏ ما بينك وبين عامر بن الطفيل فإن ذكر نسبًا عظم به عنده‏.‏

ولما مات عامر منصرفه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نصب عليه بنو عامر نصابًا ميلًا في ميل حمي على قبره ولا تسير فيه راعية ولا ترعى ولا يسلكه راكب ولا ماشٍ‏.‏

وفيها‏:‏ كان قد خرج ابن أبي مارية مولى العاص بن وائل في تجارة إلى الشام وصحبه تميم الداري وعدي بن بدا وهما على النصرانية فمرض ابن أبي مارية وقد كتب وصيته وجعلها في ماله فقدموا بالمال والوصية ففقدوا جامًا أخفه تميم وعدي فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر ثم ظهر عليه فحلف عبد اللهّ بن عمرو بن العاص والمطلب بن وداعة واستحقا‏.‏

رضي اللّه عنه إلى اليمن في رمضان بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعقد له لواء وعممه بيده وقال‏:‏ ‏"‏ امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك ‏"‏‏.‏

فخرج في ثلاثمائة فارس ففرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ودعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم حمل عليهم بأصحابه فقتلوا عشرين ثم أسلموا‏.‏

وفيها كانتَ حجة الوداع قال المؤلف‏:‏ لما عزم رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم على الحج أذن بالناس بذلك فقدم المدينة خلق كثير ليأتموا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حجته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة مغتسلًا مدهنًا مترجلًا متجردًا في ثوبين إزار ورداء وذلك في يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة فصلى الظهر بذي الحُليفة ركعتين وأخرج معه نساءه كلهن هوادج وأشعر هديه وقلده ثم ركب ناقته فلما استوى بالبيداء أحرم من يومه ذلك وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسَرِف ثم أصبح واغتسل ودخل مكة نهاراَ وهو على راحلته فدخل من أعلى مكة من كداء حتى انتهى إلى باب بني شيبة فلما رأى البيت رفع يديه وقال‏:‏ ‏"‏ اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وزد مَنْ عَظَمَه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتكريمًا ومهابة وتعظيمًا وبرًا ‏"‏‏.‏

ثم بدأ فطاف بالبيت ورَمَل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر وهو مضطبع بردائه ثم صلى خلف المقام ركعتين ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته من فوره ذلك‏.‏

وخطب بمكة خطبًا في أيام حجه‏.‏

قال المؤلف ومما جرى بعد حجه صلى الله عليه وسلم أن باذام والي اليمن مات ففرق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمالها بين شهر بن باذام وعامر بن شهر الهمداني وأبي موسى الأشعرىِ وخالد بن سعيد بن العاص ويعلى بن أمية وعمرو بن حزم وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون‏.‏

وبعث معاذ بن جبل معلمًا لأهل البلدين‏:‏ اليمن وحضرموت وقال له‏:‏ ‏"‏ يا معاذ إنك تقدم على قوم أهل كتاب وإنهم سائلوك عن مفاتح الجنة فأخبرهم أن مفاتح الجنة لا إله إلا اللّه وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى اللّه عز وجل لا تحجب دونه من جاء بها يوم القيامة مخلصًا رجحت بكل ذنب ‏"‏ فقال‏:‏ أرأيت ما سئلت عنه واختصم إلي فيه مما ليس في كتاب اللّه ولم أسمع منك سنة فقال‏:‏ ‏"‏ تواضع لله يرفعك ولا تقضين إلا بعلم فإن أشكل عليك أمر فسل ولا تستحي واستشر ثم اجتهد فإن اللّه إن يعلم منك الصدق يوفقك فإن التبس عليك فقف حتى تتبينه أو تكتب إليَّ فيه واحذر الهوى فإنه قائد الأشقياء إلى النار وعليك بالرفق ‏"‏‏.‏

وروى الإمام أحمد في المسند قال‏:‏ أن معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال‏:‏ ‏"‏ يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري فبكى معاذ خشعأ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفتَ وأقبل بوجهه نحو المدينة فقال‏:‏ إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا ‏"‏‏.‏

وروي عن عبيد بن صخر قال‏:‏ أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمال اليمن جميعًا فقال‏:‏ تعاهدوا الناس بالتذكرة واتبعوا الموعظة فإنها أقوى للعاملين على العمل بما يحب اللّه‏.‏

 وفيها كتب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان

يدعوه إلى الإسلام فأسلم

وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له هدية ثم لم يزل مسلمًا حتى كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فارتد‏.‏

قال المؤلف‏:‏ سنذكر قصته عند ذكر موته سنة ثلاث وخمسين من الهجرة‏.‏

 وفيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث جرير بن عبد اللّه البجلي إلى ذي كلاع

بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم وأسلمت امرأته ضريبة بت ابرهة بن الصباح واسم ذي الكلاع سميفع بن حوشب‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا علي بن أحمد بن السري عن أبي عبد الله بن بطة حدثنا أبو بكر الأنباري أخبرنا أبو الحسن بن البراء قال‏:‏ حدَّثني أبو عبد اللّه الوصافي حدَّثنا سليمان بن معبد أبو داود المروزي حدَّثنا سعيد بن عفير حدَّثنا علوان بن داود عن رجل من قومه قال‏:‏ بعثني قومي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية قال‏:‏ فمكثت سنة لا أصل إليه ثم إنه أشرف بعد ذلك من القصر فلم يره أحد إلا خر له ساجدًا ثم رأيته بعد ذلك في الإسلام قد اشترى أف للدنيا إذا كانت كذا أنا منها كل يوم في أذى ولقد كنت إذا ما قيل من أنعم الناس معاشًا قيل ذا ثم أبدلت بعيشي شقوة حبذا هذا شقاء حبذا وروى الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله يدعوه إلى الإسلام وكان قد استعلى أمره حتى دعى إلى الربوبية فأطيع ومات النبي صلى الله عليه وسلم قبل عود جرير وأقام ذو الكلاع على ما هو عليه إلى أيام عمر بن الخطاب ثم رغب في الإسلام فوفد على عمر رضي اللّه عنه ومعه ثمانية آلاف عبد فأسلم على يديه وأعتق من عبيده أربعة آلاف فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ يا ذا الكلاع بعني ما بقي من عبيدك حتى أعطيك ثلث أثمانهم ها هنا وثلثًا باليمن وثلثًا بالشام قال‏:‏ أجلني يومي هذا حتى أفكر فيما قلت‏.‏

ومضى إلى منزله فأعتقهم جميعًا فلما غدا على عمر قال له‏:‏ ما رأيك فيما قلت لك في عبيدك قال‏:‏ قد اختار اللّه لي ولهم خيرًا مما رأيت قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ هم أحرار لوجه اللّه قال‏:‏ أصبت يا ذا الكلاع قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لي ذنب ما أظن الله يغفره لي قال‏:‏ ما هو قال‏:‏ تواريت مرة عن من يتعبد لي ثم أشرفت عليهم من مكان عال فسجد لي زهاء عن مائة ألف إنسان فقال عمر‏:‏ التوبة بإخلاص والإنابة بإقلاع وقال يزيد بن هارون‏:‏ أعتق ذو الكلاع اثني عشر ألف بيت‏.‏

 وفيها أسلم فروة الجذامي

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدِّثنا علي بن محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن واصل بن عمرو الجذامي قال‏:‏ كان فروة بن عمرو الجذامي عاملَاَ للروم فأسلم فكتب إلى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بإسلامه وبعث به رجلًا من قومه يقال له مسعود بن سعيد وبعث إليه ببغلة بيضاء وفرس وحمار وأثواب وقباء سندس مخوص بالذهب فكتب إليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أمن محمد رسول اللّه إلى فروة بن عمرو أما بعد فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلكم وأتانا بإسلامك وإن الله هداك بهداه ‏"‏ وأمر بلالًا فأعطى رسوله اثني عشر أوقية ونشا‏.‏

وبلغ ملك الروم إسلام فروة فدعاه فقال له‏:‏ ارجع عن دينك نملكك فقالي‏:‏ لا أفارق دين محمد وإنك تعلم أن عيسى قد بشر به ولكنك تضن بملكك فحبسه ثم أخرجه فقتله وصلبه‏.‏

وفي هذه السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص بعد رجوعه من الحج لأيام بقين من ذي الحجة إلى جيفر وعبد ابني الجلندي بعمان يدعوهما إلى الإسلام‏.‏

وكتب معه كتابًا إليهما وختم الكتاب قال عمرو‏:‏ فلما قدمت عمان عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقًا فقلت‏:‏ إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك فقال أخي المقدم بالسرّ والملك‏:‏ وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ كتابك فمكثت أيامًا ببابه ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختومًا ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى أخرة ثم دفعه إلى أخيه فقرأه إلا أني رأيتَ أخاه أرق منه فقال‏:‏ دعني يومي هذا وارجع إليّ غدا فلما كان الغد رجعت إليه فقال‏:‏ إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلًا ما في يدي قلت‏:‏ فإني خارج غدًا فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إليّ فدخلت عليه فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعًا وصدقا بالنبي صلى الله عليه وسلم وخليا بينيِ وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونأ على من خالفني فأخذت الصدقة من أغنيائهم فرددتها في فقرائهم ولم أزل مقيمًا بينهم حتى بلغنا وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وذكر الواقدي إن هذا كان في سنة ثمان‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وما ذكرناه أصح‏.‏

وقال ابن مسعود‏:‏ هذا آخر بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك‏.‏

إبراهيم ابن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ولد في ذي الحجة من سنة ثمان وتوفي في ربيع الأول غرة سنة عشر ودفن بالبقيع‏.‏

روى جابر بن عبد اللهّ عن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ أخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه إبراهيم فوضعه في حجره وهو يجود بنفسه فذرفت عيناه فقلت له‏:‏ أتبكي يا رسول اللّه أولم تنه عن البكاء فقال‏:‏ لا إنما نهيت عن النوح وعن صوتين أحمقين فاجرين‏:‏ صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ‏"‏‏.‏

وقال ابن نمير في حديثه‏:‏ ‏"‏ إنما هذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وإنها سبيل مأتية وإن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا وإنا بك لمحزونون تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ‏"‏‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن أيوب عن عمرو بن سعيد قال‏:‏ لما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة ‏"‏‏.‏

وروى محمد بن سعد عن وكيع بن الجراح وهشام بن عبد الملك أبو أيوب الطيالسي ويحيى بن عباد عن شعبة قال‏:‏ سمعتّ عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏"‏ لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أما إن له مرضعًا في الجنة‏.‏

وروى ابن سعد عن البراء أيضَاَ قال‏:‏ صلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرًا وقال‏:‏ ‏"‏ إن له لظئرًا تتم رضاعه في الجنة وهو صديق ‏.‏

وروى ابن سعد عن جابر عن عامر قال‏:‏ توفي إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرًا قال مؤلف الكتاب‏:‏ وفي يوم موت إبراهيم كسفت الشمس‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدَّثنا محمد بن سعد أخبرنا عبد اللّه بن موسى أخبرنا إسرائيل عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللهّ ولا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فعليكم بالدعاء حتى يُكشفا ‏"‏‏.‏

وروى محمد بن سعد عن محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثني أسامة بن زيد الليثي عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سيرين قالت‏:‏ حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا فلما مات نهانا عن الصياح وغسله الفضل بن العباس ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس ذلك لموت إبراهيم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏‏:‏ إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته ‏"‏‏.‏

ورأى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرجة فيِ اللَبن فأمر بها أن تسد فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ أما إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقرعين الحيِ وإن العبد إذا عمل عملًا أحب اللّه عز وجل أن يتقنه ‏"‏‏.‏

ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر‏.‏

باذام ملك اليمن‏:‏ كان أسلم وأسلم أهل اليمن فجمع له رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم اليمن كلها فتوفي في عبد اللّه بن عمرو بن صيفي أبو عامر الراهب‏:‏ كان قد ترهب وانتظر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج حسده وجحد نبوته وقاتل يوم أحد فلما فتَحت مكة هرب إلى قيصر فمات هناك في هذه السنة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد ذكرنا طرفًاَ من أخباره في قصة ولده حنظلة في سنة ثلاث من الهجرة‏.‏